Menu

في الذكرى (64) لقيام الجمهورية العربية المتحدة: على القوى القومية والتقدمية استحضار تجربة الوحدة والبناء عليها

عليان عليان

)رغم المؤامرة الصهيوأميركية الرجعية على الوحدة المصرية- السورية والتي أدت إلى اجهاضها إثر انقلاب عسكري  في 28 سبتمبر( أيلول) 1961، إلا أن هذه التجربة تظل راسخة في عقول وقلوب أبناء الأمة الذين يعملون على استحضار التجربة والبناء عليها، بعد  استخلاص الدروس  والعبر، والتعرف على الثغرات، مع الأخذ بالاعتبار المتغيرات الراهنة من أجل إعادة الاعتبار للمشروع التحرري النهضوي العربي، الذي وضع أسسه  خالد الذكر جمال عبد الناصر، وبعد أن باتت دويلات قزمية ومطبعة في الخليج العربي تدعي زعامتها للوطن العربي، وتطرح نفسها بديلاً لعواصم القومية العربية في كل من القاهرة ودمشق وبغداد(.

في الثاني والعشرين من فبراير (شباط) 1958 تم الإعلان عن قيام الجمهورية العربية المتحدة ورئيسها جمال عبد الناصر، فيما تم منح الرئيس شكري القوتلي وسام المواطن الأول في الجمهورية العربية المتحدة، حين زحفت الملايين من جماهير سورية العروبة ونصف مليون مواطن لبناني إلى دمشق، ليكحلوا أعينهم بلقاء جمال عبد الناصر وللاستماع لخطابه التاريخي، وحين التفت جماهير الأمة العربية حول إذاعة صوت العرب لتستمتع بالخبر السعيد... خبر الوحدة.

في ذلك اليوم المجيد، تحققت أول وحدة عربية في التاريخ المعاصر، وظهرت للوجود الجمهورية العربية المتحدة، وبظهورها أصبح التناقض واضحاً وكبيراً سواء في الإطار الخارجي في مواجهة الإمبريالية ومشاريعها وأدواتها، أو في الإطار المجتمعي الداخلي، وكان الرئيس عبد الناصر يعتقد بأنه لا يمكن تأجيل الثورة الاجتماعية، وبذلك احتدم الصراع بين الطبقة العاملة والفلاحين من جهة، وبين البرجوازية وكبار الملاك من جهة أخرى.

لقد كان ناصر يعلم أن المعركة مع أعداء الوحدة العربية في الداخل والخارج قد بدأت، وبدأت الأنظمة العربية المعارضة للمشروع النهضوي العربي في الانهيار، فسقط الحكم الشمعوني في لبنان وسقط نظام الحكم الملكي في بغداد، وبدا أن هناك اتجاهاً قوياً داخل الضباط العراقيين الذين قاموا بالثورة يضغط باتجاه الالتحاق السريع بدولة الوحدة الناشئة، والتي كان من ردود الفعل المباشرة عليها نزول القوات الأمريكية في لبنان والقوات البريطانية في الأردن بعد أن اجتاحت عمان وبيروت مظاهرات عارمة يلهبها حلم الوحدة الذي فجره عبد الناصر والقوى القومية في سوريا.. مظاهرات يجمعها هتاف شعبي "بدنا الوحدة باكر باكر مع هالأسمر عبد الناصر".

لقد قدرت وكالات الأنباء "رويترز والأسوشيتد برس" أن عدد اللبنانيين الذين توجهوا إلى دمشق التي كان يزورها عبد الناصر قد وصل إلى نصف مليون، أي أن نصف لبنان قد شارك واقعياً في مواكب الرحلة إلى دمشق خلال فترة لا تزيد عن أسبوعين.

وفي ذات الوقت تأججت الثورة في الجزائر بدعم من قائد ثورة 23 يوليو وبدت الأمور آنذاك وكأن الأمور تسير نحو النصر النهائي للمشروع القومي العربي وبدت أحلام الوحدة تداعب الخيال الشعبي.

إنجازات وثغرات ودروس التجربة

لقد كشفت الوحدة بين سوريا و مصر وقيام الجمهورية العربية المتحدة بشكل فجائي وصاعق عن جوهر المشروع النهضوي العربي الساعي لتحقيق الوحدة العربية، وكشفت في ذات الوقت عن أعداء هذا المشروع الخارجيين والمحليين. فخلال السنة الثانية مباشرة من الوحدة بدت الفرصة أكبر أمام البرجوازية وملاك الأراضي في الانقضاض على الوحدة ومشروعها في التأميم والإصلاح الزراعي.

لقد وصف عبد الناصر هذا الصراع قائلاً: "إن نمو البرجوازية القومية المصرية في عهد الوحدة مع سوريا قد ارتفع وكانت حصة أصحاب رؤوس الأموال من الدخل الوطني قبل بدء التصنيع والتطور الاقتصادي تبلغ 68 في المائة من الدخل القومي، فأصبحت خلال عملية التصنيع 72 في المائة في حين هبطت حصة العمال من 32 إلى 28 في المائة".

 كان هذا في خطابه بجامعة الإسكندرية ونشرت جريدة الأهرام بتاريخ 29/7/1961 في احتفالات عيد ثورة 23 يوليو أسماء كثير من الشركات والمؤسسات الصناعية الكبرى في ال قطر ين وتقررت حصة العمال (25 في المائة) من أرباح الشركات ورفعت ضريبة الدخل وعدل قانون الإصلاح الزراعي.

لقد حققت الوحدة إنجازات كبيرة لسوريا عبر السير على طريق الاشتراكية ورفض منطق الاقتصاد الحر، وتبني سياسة التوجيه الاقتصادي وتحرير النشاط المالي من السيطرة الأجنبية والرأسمالية وإنهاء احتكار القلة المالكة بقوانين الإصلاح الزراعي والعلاقات الزراعية ثم بقرارات يوليو/ تموز الاشتراكية عام 1961، وزيادة قدرة القطاع العام بتمليكه المصارف التي أقامتها الدولة، والمصارف والشركات التي أممت، وبزيادة حصص الدولة في بعض الشركات، وبإلغاء قانون العشائر، وتشجيع الجمعيات التعاونية، وبتدعيم الإنفاق على التنمية الأمر الذي ضاعف من عدد وطاقة الطبقة العاملة بشكل ملحوظ.

لقد بدل عهد الوحدة من واقع البلاد ووضعها على أبواب التحول الاشتراكي، فكان الحل الوحيد الذي بدل من طبيعة علاقات الإنتاج التي كانت سائدة على مدى قرون وحققت في زمن قصير أشياء وإنجازات كبيرة على صعيد المشاريع الزراعية والخدمية وفي قطاع الصناعة والتعدين والبترول والكهرباء وغيرها.

وفي المقابل كانت هنالك ثغرات وإخفاقات تمثلت في عدم وجود التنظيم الشعبي في القطرين وبعدم وحدة الفكر والدولة، فكان هناك في الدولة جيشان وعملتان وميزانيتان، وبالتالي أصبحت الجمهورية العربية المتحدة تواجه تحديات معادية تصدر عن قوى  إمبريالية ورجعية موحدة  في الاستراتيجية والتكتيك.

دروس وعبر

وحتى لا تظل الأمور محصورة في إطار التمني والبكاء على الماضي لا بد من استخلاص الدروس من تجربة الوحدة السورية المصرية لتجنب الثغرات والأخطاء التي وقعت، وأبرز هذه الدروس:

1-ضرورة اختيار الظرف الموضوعي الملائم للوحدة.

2-عدم إغفال وحدة الفكر والاطار النظري للوحدة، وعدم اغفال وحدة التنظيم الشعبي.

3-عدم حرق المراحل في الإجراءات الاشتراكية.

4-إشراك الجماهير الشعبية في الشؤون العامة في إطار مؤسسي.

5-عدم الاستهانة بالرجعية العربية والمحلية.

6-ضرورة رفع الوعي القومي للجماهير حتى لا تقع فريسة لمخططات الرجعية والامبريالية.

ضرورة الوحدة

ما أحوجنا  في هذه المرحلة للوحدة والخطاب الوحدوي، بعد أن تعمقت التبعية والتجزئة، وبعد أن حل الخطاب الطائفي والعرقي محل الخطاب القومي، وبعد أن بدأت العواصف والأنواء والحصارات الظالمة تعصف بهذا القطر أو ذاك، وبعد أن وضعت قضية فلسطين على مذبح التصفية عبر المشاريع الامبريالية، وبعد أن جرى احتلال العراق والتآمر على وحدته وهويته العربية، وبعد احتواء الإمبريالية الأمريكية لمخرجات الحراك الشعبي في تونس ومصر وغيرهما من البلدان العربية، وبعد اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية مع الكيان  الصهيوني، وانتقال دويلات عربية من خانة التطبيع إلى خانة التتبيع والتحالف مع الكيان الصهيوني ضد أطراف محور المقاومة.

ما أحوجنا لثقافة الوحدة في ضوء استمرار المؤامرة الامبريالية الرجعية على سوريا "قلب العروبة النابض" بغية إخراج سوريا من دائرة الصراع مع العدو الصهيوني مثلما تم إخراج مصر من دائرة الصراع، بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد من قبل نظام الردة الساداتي - تلك المؤامرة التي تكسرت على صخرة وصمود الجيش العربي السوري وحلفائه.

ما أحوجنا للوحدة للتصدي للعربدة الأمريكية، ولدعم المقاومة العربية في فلسطين ولبنان والعراق من أجل إفشال المشروع التفتيتي التقسيمي الأمريكي والذي يحمل اسم مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يستهدف خدمة الكيان الصهيوني والسيطرة على النفط.

وأخيراً، ورغم المؤامرة الصهيوأميركية الرجعية على الوحدة والتي أدت إلى اجهاضها، ورغم بؤس المشهد الراهن، الذي باتت فيه دول قزمية تابعة للكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية تحل محل عواصم الفعل العربي (القاهرة-بغداد-دمشق) إلا أن هذه التجربة تظل راسخة في عقول وقلوب أبناء الأمة وطلائعها، الذين يعملون على استحضار التجربة والبناء عليها، واستعادة القيم والمثل العظيمة التي قامت عليها، ما يقتضي من القوى القومية والتقدمية أن تلعب دوراً تعبوياً وتثقيفيا للجيل الحالي بأهمية الوحدة وضرورتها، وأن تعمل على إيجاد مرتكز لها يلعب دور (الإقليم القاعدة) لحركة التحرر العربية.